الحيوان

لم يكن كابتن سيد السبع، اقدم أعضاء السيرك، حاضرا في الإجتماع الطارىء الذي قام به المدير. ورغم أن الكابتن هو مدرب الأسد غضنفر الذي تسبب مرضه المفاجيء بأزمة حقيقية لكل العاملين بالسيرك، إلا إنه كان آخر العالمين بأمر المدير لحل الأزمة. مرض غضنفر المفاجىء حل عليه قبل يوم واحد من بدىء العرض الأهم للسيرك في آخر عدد من السنوات. فبعد أن فقد السيرك المتنقل رونقه وسمعته، سواء بسبب تكرار العروض القليلة أصلا، أو بسبب استمرار نقص العارضين على مر الأيام واعتذارهم لأي سبب كان، خاصة لكبر السن، أو بدون أسباب أصلا لمجرد أنه صار موضة اقترنت بزمن فات؛ جائت فرصة محاولة احيائه من جديد بعد أن استقبل المدير هاتفا يعلمه أن قناة تليفزيونية مغمورة تود أن تنتج فيلما وثائقيا عن السيرك وتاريخه الذي لم يعش منه إلا غضنفر وكابتن سيد. بالإضافة إلى عدد قليل من عارضي الأكروبات الصغيرين والمتناوبين بخبراتهم القليلة على السيرك وأهله. وكان مهم جدا أن تصور القناة أحد العروض لا سيما وأن غضنفر سيكون موجودا وهو الأسد الذي انتزع بزئيره ساعات من التصفيق أيام العز. لم يود المدير تأجيل التصوير ولا العرض، خشى ألا تأتي ال

المغناطيس

استيقظ ثقيلا من نومته القصيرة.. جمّع اعضائه كما يجمع أوراق عمله ليضعها في الحقيبة الجلدية المنهكة و النحيفة كصاحبها. أخذ يحرك كل مفصل و عضلة مستصعبا إلى أن دار جسده و انطلق متميكننا صوب مقر عمله. كان يوميا يسير و كأنه قطعة حديد صدأة تنجذب الى المغناطيس، تنجذب دون مقاومة و لا إرادة و لا رغبة لديها في الرجوع، و هو مسمط الملامح تماما مثلها.

يجمع ما يجمع من مال في بداية كل شهر.. و يقتطع منه ما يكفيه لذهابه لعمله بقية الشهر، الوظيفة التي كف عن سؤال نفسه عن جدوتها منذ زمن لا يشعر به. يعمل، فيأخذ مالا يستقلّه يوم في إثر يوم متجها به لعمله حتى يُفلس، ثم يعمل فيأخذ مالا يستقلّه متجها لعمله من جديد حتى تبيّض جيوبه.. تماما كالكولونيل أوريليانو بوينديا في مائة عام من العزلة. كان صائغ بارع يصوغ من الذهب أسماكه الذهبية التي اشتهر بها في قرية ماكوندو.. يقضي ساعات في مختبر والده يشكل المعدن فيخلق قطع من التحف الأخاذة، و ما ان ينتهي حتى يأخذ الأسماك الذهبية الصغيرة و يصهرها فتعود عجينة صفراء بلا شكل، فيبدأ من جديد في تقطيعها و تشكيلها فتكوِّن أسماك جدد، تعيش لدقائق متفردة، قبل أن تجتمع في القارورة لتفقد هيأتها. الفارق ان الكولينيل كان يرى نتاج عمله الذي استمر و استعيد لأعوام طوال.. كان يرى نهاية قبل أن يقرر أن يبدأ من جديد. أما هو، فلا يرى أى نهاية لدورته الأبدية، و لا يرى نتيجة يشعر بعدها بفخر أو براحة أو بانجاز انجزه.. الفرق أن الكولونيل اختار، أما هو فقد أُختير.. و لا طاقة له لاتخاذ أي قرار. كقطعة الحديد التي يجذبها المغناطيس، و كلما ابتعد عنها مستمعا بإذلالها، هرولت في الطريق مجبرة لتلحق به باحثة عن مصير تفهمه و نهاية تفك قيدها الذي هان بهوانها.. و لا طريق أمام ملامحها المسمطة، إلا صوب المناطيس.

Popular posts from this blog

الدور العشرين

من الزهور للجذور 4: بميعاد مسبق

على الجانب الآخر