Posts

Showing posts from 2016

الحيوان

لم يكن كابتن سيد السبع، اقدم أعضاء السيرك، حاضرا في الإجتماع الطارىء الذي قام به المدير. ورغم أن الكابتن هو مدرب الأسد غضنفر الذي تسبب مرضه المفاجيء بأزمة حقيقية لكل العاملين بالسيرك، إلا إنه كان آخر العالمين بأمر المدير لحل الأزمة. مرض غضنفر المفاجىء حل عليه قبل يوم واحد من بدىء العرض الأهم للسيرك في آخر عدد من السنوات. فبعد أن فقد السيرك المتنقل رونقه وسمعته، سواء بسبب تكرار العروض القليلة أصلا، أو بسبب استمرار نقص العارضين على مر الأيام واعتذارهم لأي سبب كان، خاصة لكبر السن، أو بدون أسباب أصلا لمجرد أنه صار موضة اقترنت بزمن فات؛ جائت فرصة محاولة احيائه من جديد بعد أن استقبل المدير هاتفا يعلمه أن قناة تليفزيونية مغمورة تود أن تنتج فيلما وثائقيا عن السيرك وتاريخه الذي لم يعش منه إلا غضنفر وكابتن سيد. بالإضافة إلى عدد قليل من عارضي الأكروبات الصغيرين والمتناوبين بخبراتهم القليلة على السيرك وأهله. وكان مهم جدا أن تصور القناة أحد العروض لا سيما وأن غضنفر سيكون موجودا وهو الأسد الذي انتزع بزئيره ساعات من التصفيق أيام العز. لم يود المدير تأجيل التصوير ولا العرض، خشى ألا تأتي ال

وداع كغيره

كانت الليلة الأخيرة قبل سفر طويل، كنا نعلم ذلك، أنا وأنت. حاولت أن ألقاك فيها فلم تنجح خططتنا الصغيرة عكس المعتاد. وفي صباح سفرك طالت نومتي على غير عادة أيضاً، فلم ألحق بك لأودعك في المطار. كانت المكالمة الأخير بيننا ونحن على أرض نفس البلد، كانت في الواقع، وداع ككل الوداعات التي لم أودعها في حياتي. أذكر قديماً، ولو كان للقديم أول فتلك الذكرى هي أوله، عندما كنت صغيراً يحبو، قبل أن أرتبط بالمنزل أو حتى ترتسم هيئته في ذهني، انتقلت أسرتي لآخر، فلم أعرف ما هو المنزل ولا هو الوداع لأودعه. قضيت أعواما في المنزل الجديد، في المنطقة الجديدة، كبرت بين جدرانه وجدرانه فقط، لأنني كنت أصغر أبناء الجيران، فلم يكن لي أصدقاء أقضي معهم وقتا نلعب الكرة في الشارع أو نتسابق بالعجل أو نحارب بعضنا بمسدسات الخرز؛ عكس أخي الذي كان يعود كل ليلة متسخا بوسخ الشارع ومصاب بإصابة جديدة. إما إصابة لتدخل عنيف في مباراة كرة، ووسخ طين بعدما تسكب الحاجة العجوز عليه وعلى أصدقائه الماء للتوقف عن اللعب تحت منزلها. إما إصابة إثر سقطة من على العجلة، ووسخ الشحم الذي غطى سيرها الحديدي يطبع على يديه وملابسه السواد، بعدما ي

تلك الساعات

تلك الساعات التي تقضيها وحيدا، تلك الأفكار التي تتهاطل على رأسك حينها، تلك النظرات المصوبة للعدم و تلك البسمات الآتية من عقلك، ذلك الألم النابع من صدرك وتلك الدموع التي توشك على السيل على وجهك. شيء غريب في هذه الساعات، دقائق تقضيها وحيدا تشعر فيها بألم لا تعرف له سبب، تشعر بسعادة لا مصدر لها. تارة تحادث نفسك فيها محبا و تضحك، و تارة تسبها و تلعن فتبكي. ساعة أنت فيها ملك للعالم ولا تريد منه أي أحد أو أي شيء، ترقص فيها و تختال بخطواتك و تغني عاريا و لا يهم إن كان هناك من يسمع، فأنت لا ترى أحداً في الكون المنير غيرك. وساعة أنت وحيد، يملؤك الجوف، تحتاج لشيء يقتحم الفراغ المؤلم هواءه الساقع فيؤانس الوحدة، تحتاج ليد تضمك وتقتل الوحشة، تكون حينها عاريا منقبضا على نفسك كالجنين تبحث عما يسترك، لكن لا أحد ولا يد، فأنت لا ترى في الكون المظلم أحدا، ولا حتى نفسك الغارقة. دقيقة تنظر للمرآة فخوراً ولا ترفع عينك عن عنيك مُحبا، و دقيقة تتجنب النظر في وجه أكثر من تمقط و تكره. تلك الساعات اللعينة، الدقائق المسلطة علينا التي تطلق سراح ما فينا من شياطين و جان، تخرج خناجر تطعن في صدورنا أو فراشات تداعبها،

الرحلة

هي رحلة طويلة وجد نفسه يرتحلها. لا يعلم كيف بدأت ولا أين كان قبلها. فقط، يسمع مِن مَن سبقوه عن اليوم الذي انضم إليهم فيه.. يحكون له عن أول يوم رحبوا به في عالمهم الغامض، عن اليوم الذي لا يذكره و لا يذكر ما سبقه من أيام ان كانت هناك أيام. يحكون له عن أول خطوة خطاها معهم و مع القطيع الضخم، متجهين جمعا في الإتجاه الواحد. يحكون له عن يوم ميلاده بينهم.. لكن لا أحد منهم يعلم ما هو سبب الرحلة، ما هو سبب وجودهم في هذا الخلاء اللا نهائي، ما هو سبب الوجود.. و لا إلى أين يؤدي طريق الترحال ذو الدفة التي أبدا لا تحيد. استمر المسير لمدد لا يعرفها، و طال عليه السفر بينهم حتى اعتاده.. رآى واحدا تلو الآخر ينحرف عن القطيع مودعا، متوحدا. رآه يذهب قبل أن يذوب و يكون جزءً من رمل الأرض. يذهب و يُلاحظ بعدها وجود من استبدله من طفل صغير، آت يحل محل الراحل لكي تستمر الرحله، لكي يستمر الزحف.. و مع كل راحل، يزداد يقينا بأن تلك الرحلة المجنونة غير محددة المدة و لا المسافة؛ نهائية، لكن غير محددة.. أو غير مسموح للمرتحل معرفة حدودها. و أن كل من أتى وحيدا يذهب كما جاء وحيدا، و أن المرتحلين مهمتهم فقط تهوين وحشة الط

ما بين السُحُب

كان كل ما يبدو لها لا نهائيا يجلب في نفسها شعور غريب بالرهبة.. أو بالسكينة. شعور غير مفسر، يأتي مع الرياح و النسمات التي كلما هبت، هبت في رأسها الأفكار و الذكريات. كل ما هو عريض و شاسع المساحات: البحر، الصحراء.. السماء.تصمت في حضرتهم، و لا تسأم عيناها من متابعة المشهد الثابت لحركات الأمواج، الرمال، النجوم و السُحُب. كانت تستشعر صغرها، ضئالة حجم الجميع، كانت تشعر بضئالة حجم كوننا كله. إن كانت راضية أو في مزاج حسن، أحست أنها في وجودها بين اللا نهائيات، أنها في حضرة قوة خارقة، يد عليا تدفع بالأمواج و تسيّر قطع السحاب البيضاء.. قطعة في إثر الأخرى. و إن كانت ناقمة، مُثقلة بالهموم، شعرت بعشوائية المنظر، بتحرك الأمواج و الرياح عبثا.. بتحرك الأقدار عبثا. قيل لها في الصغر أن من فاتونا تركوا أرضنا، و تصعدوا ليسكنوا السموات. قيل لها أن حياتنا هنا إن طالت قصيرة، و أنّ ملاذنا الأخير بين البياض العالِ. آمنت بما سمعت، و رأت في تشكيلات السحب أُناس تركوها و ذهبوا للخلود، رأت متعلقاتهم و أدواتهم، رأت جياد قالت في نفسها أنهم يركبونها، و رأت أجنحة عظيمة تظلل العالم، أجنحة نبتت من ظهر ساكني السماء.. و إ