Posts

Showing posts from August, 2014

الحيوان

لم يكن كابتن سيد السبع، اقدم أعضاء السيرك، حاضرا في الإجتماع الطارىء الذي قام به المدير. ورغم أن الكابتن هو مدرب الأسد غضنفر الذي تسبب مرضه المفاجيء بأزمة حقيقية لكل العاملين بالسيرك، إلا إنه كان آخر العالمين بأمر المدير لحل الأزمة. مرض غضنفر المفاجىء حل عليه قبل يوم واحد من بدىء العرض الأهم للسيرك في آخر عدد من السنوات. فبعد أن فقد السيرك المتنقل رونقه وسمعته، سواء بسبب تكرار العروض القليلة أصلا، أو بسبب استمرار نقص العارضين على مر الأيام واعتذارهم لأي سبب كان، خاصة لكبر السن، أو بدون أسباب أصلا لمجرد أنه صار موضة اقترنت بزمن فات؛ جائت فرصة محاولة احيائه من جديد بعد أن استقبل المدير هاتفا يعلمه أن قناة تليفزيونية مغمورة تود أن تنتج فيلما وثائقيا عن السيرك وتاريخه الذي لم يعش منه إلا غضنفر وكابتن سيد. بالإضافة إلى عدد قليل من عارضي الأكروبات الصغيرين والمتناوبين بخبراتهم القليلة على السيرك وأهله. وكان مهم جدا أن تصور القناة أحد العروض لا سيما وأن غضنفر سيكون موجودا وهو الأسد الذي انتزع بزئيره ساعات من التصفيق أيام العز. لم يود المدير تأجيل التصوير ولا العرض، خشى ألا تأتي ال

اللجنة

لا اسمع الا صوتي و أنا أهمس محاولا تذكير رأسي بالجواب في هذه القاعة الباردة الصامتة المهيبة رغم حجمها الصغير.. خطوات المراقبون البطيئة تحيط بي و نظراتهم تزحف لاهثة خلف أي خطأ من التفاتة أو زفرة مسموعة.. لا أعرف الجواب و وضعي في الامتحان لا أحسد عليه.. لا أعرف ان كان جهدي الضعيف المتناثر على الورقة كفيل بعبوري للأختبار رقم 138 في هذه الجامعة أم سيكون بمثابة قفزة ضعيفة لا تسعفني في العبور للضفة المقابلة. قطع الصمت صوت سمعته بوضوح يناديني.. نظرت حولى لم أجد المنادي و لا أحد انتبه سواي.. لم أفهم. مجددا.. أسمي لكن هذه المرة مسبوق ب يا باشمهندس.. و المصدر مجهول.. نظرت للورقة و توتري في زيادة.. فوجدت كلماتي و رسوماتي يختفي حبرها و يهرب.. يتلاشى حتى ابيضت الورقة حتى من سطورها التي تموجت ثم تشابكت و تعقدت و التفت حول ما تبقى من رسوم ضعيفة خنقتها ثم سحبتها و غاصت في أعماق الورقة الخاوية.. مددت يدي حاولت منعها..حاولت أن أمسك الأحرف و النقاط فصعقني شيء في أناملي حرم على لمس الصفحة المسمطة.. رفعت رأسي لأستنجد بأحد المراقبين.. لا يوجد منهم أحد.. لا يوجد أحد غيري.  الغرفة أتسعت لأفدنة

البدلة

البدلة في قاعة الإنتظار.. كان جالسا على أريكة جلدية سوداء منتظرا دوره.. و بين يديه ملف أحمر تحتوى أوراقه على سيرته الذاتية. تتصدر أولى صفحاته صورته الشخصية بملامح جادة و ملابس رسمية، و تفيد كلماته بأنه حديث التخرج من احدى الجامعات الخاصة المرموقة بتقدير عام جيد جدا. طال عليه الوقت و زاد معه شعوره بالتوتر و الانقباض، الذي فسره بقلقه من مقابلة العمل التي يوشك على اجرائها، رغم ثقته المعتادة بنفسه و هدوئه المعروف عنه الذي طالما تخطى به  كثير من المواقف الصعبة و الهامة، إلا إنهما هربا في الهذا اليوم تحديدا و تركوه وحديا ضيق الصدر و محدود الفكر. طال الوقت أكثر، أصيب بالملل، نظر الى ساعته الفضية مطلقا زفرة تعكس قليل من الضجر و كثير من القلق، فوجئ إذ ام يمر من الزمن إلا دقائق خمسة منذ أن استقبلته الموظفة و طلبت منهالإنتظار!.. نظر الى ساعة الحائط المعلقة امامه فتأكد أن عجلات زمن تتحرك ببطئ وعقارب الساعات أصابتها الشيخوخة. أخيرا و بعد سبعة دقائق خنق بهم، سمع صوت خطواتها السريعة تقترب. طلبت منه الملف و اتأذنته بأن يتفضل معها.. تبعها الى غرفة صغيرة حيث المقابلة. لم تطل أكثر من عشر دقائق و

من خلف الشرفة

"مستوحاه من فكرة لصديق أسمه أيمن مصطفى" قبض بيديه النحيلتين على عجلتى مقعده و دفعه بقوته الضعيفة، فدارت ببطئ و تقدم بمجلسه نحو نافذته المغلقة. عض على شفتيه مستصعبا و هو يمد ذراعه المرتعش الثقيل، رافعا إياه نحو الستار لتنحيته، ثم ادارة المقبض و سحب الدرف الزجاجية و إدارة آخر و دفع جزء صغير من الساتر الخشبي يسمح بعبور خيط رفيع حاملا لما يحمل من ضوء شمس و قليل من ضجيج الشارع، و يعطي له مساحة كافية يجول من خلالها بنظراته مستعينا بشوافته المعظمة في مراقبة ذلك الشاب.. مساحة تتيح له الرؤية و تستره فلا يلحظ من يتابعه وجوده ولا احد من المارة . كان يخرج يوميا من نفس العقار الذي يقطنه ذاك الرجل العاجز في ذات الساعة دون دقيقة تأخير أو بكورة.. يخرج بخطي ثابتة على اتساعها و جسد واثق يحمل صدر يمتد ليمتلئ بالأمل مع كل ذرة هواء تدخله.. يخرج بوجه مستدير متورد يبحث في كل يوم عن بداية جديدة تدفعه خطوة ابعد عن تلك التى انهى بها يومه السابق.. يخرج و يسحب في إثره تلك الأعين التي انتظرته فتتبعه أينما ذهب و أينما خطى.. أينما وجد لن يكون ابدا بعيدا عن مرماها . صوبهما نحوه فوجده كعادته انيق ل

أو هكذا ظنت

كانت تحاول ان تمنع نظراتها من الهروب إلى وجهه.. توقف حدقيتها من الانجذاب اللا إرادي لعينيه، لكن لا مانع من اختلاس واحدة سريعة.. واحدة فقط.. أو هكذا تُمني نفسها، لفحص ملامحه لقراءة لغة جسده.. بماذا سيجيب، كيف سيقولها؟.. تخفي توترها وراء ابتسامة مصطنعة تحاول ان تسكت بها ضربات طبول قلبها، و رعشة قدمها اليسري.. سؤال القته احدى صديقاتهم موجها له.. كانت ابتسامته كفيلة بالرد عن لسانه و خدودها المتوردة تنتظر بشغف سماعها، حاول تصنع الهدوء، أو هكذا ظنت.. كان هادئا بالفعل، لكن هذا لم يمنع حقيقة انه تفاجأ بالسؤال. هي، كانت تأهب خنسرها لملامسة اصبعه و أحتضانه خلسة دون ان يلاحظ أحد من الحضور، فقط ضمة سريعة "تحت الترابيزة" و يعود.. ما زاد من توترها صمته الذي طال، و كأنه سيقولها صراحة دون تلميح، في وجهها، و أمام الجميع.. ممكن؟!.. لا، تكبح جماح خيالها باستبعاد تلك الأماني أو بالكذب على نفسها بأنها تستبعدهم.. ممكن، لكن ليس الآن، ربما لاحقا، ربما الليلة، ربما غدا، ربما لا يملك الجرأة لفعلها أمامهم، ربما محرج أو يخشى إحراجها. ماذا لو لم..! لا لا.. و آلاف من الأفكار تثير صداع في رأسها، صداع لذيذ

الموهوم

رآهم فأصابه الاعجاب.. ابهرته صورهم، هيئاتهم و أصواتهم.. ضحكاتهم سمعها رنانة ساحرة فابتسم.. قرر أن ينضم اليهم و ينخرط في عالمهم حيث الحرية و المتعة اللا نهائية في نظره.. المجمتع و التجمع الذي تماما حلم به مؤخرا بعدما عاش عمرا يرفضه.. سيلقي بهلبه في أعماقه ولا يبحر بحثا عن غيره.. سيقبله بالمقبول منه و المرفوض، ضاربا بالمبادئ التي سأم من اتباعها و الدفاع عنها عرض الحائط و كل الحوائط.. سيقبله و سيبتلعه، و من ثم يعيش عيشة خضراء ابتسامتها عريضة نابعة من رأسه الذي سيفرغه فورا من كل الأفكار المقيدة و الساجنة.. من كل الأفكار عموما.. ها هو بينهم لليوم الأول، الثاني، العاشر.. يحاول جاهدا الحديث بلسانهم، و لما يسرقه السهو و ينطق بلسانه القديم ناسيا أنه يتناسى.. لا يجد منهم الا الوجوه المستغربة التي تصل الى حد الرافضة الغير قابله لآرائه و لعقله الأصلي القديم.. بذل جهدا أكبر في التلون بلونهم و التصبغ بصبغتهم.. اصتنع الضحكات التي أخرجها بالكاد من أعماق أعماق جسده على دعاباتهم التي يحاول فهمها.. يحاول ان يطلق ما يماثلها فلا يفهموها ولا يعبأون.. لا يضحكون. و لما طال الشعور بالغربة انسحب من ب

نفسي ضد ضميري

نفسي vs ضميري الجولة الرابعة: يسدد ضميري ضربات بطيئة ضعيفة بالكاد تدغدغ صدر نفسي العريض المفتول ذو غابات الشعر الكثيفة، بعد ان ضعفت قواه سريعا اثر ثلالث جولات أنتُهك فيها عرضه و حسمتها نفسي لصالحها دون مجهود يذكر.. أيقاع ضرباته يزداد بطئاً و تضعف الرؤيا امام عينيه شيئا فشيئا قبل ان تتحول لبياض ناصع مؤذ لحدقتيها الضيقة.. بدأ يلهث.. ترنحت ضرباته و اتجهت لكماته الثقيلة على جسده للعدم الذي بدا كثيفا مقاوما لها ..   ضحكت نفسي نصف ضحكة كشفت عن ناب كأنياب نمر الميجالونكس المُنقرض.. قبل ان توجه ضربتها الساحقة.. لكمة قاضية استهدفت فكه السفلي طاردة عدد لا بأس به من الأسنان و قاذفة به الى غيبوبة لن يستفيق منها قريبا أو قد لا يعي بعدها أبدا.. أحمد فرغلي 16/2/2012

ضد الطبيعة

قد تكون الافكار مشتتة و بلا اي ترتيب.. فمن المستحيل اختذال عشرات السنين في صفحة أو حتى مائة.. و من المحال طباعة مشاعر على أوراق لاحصر لها ولو كان البحر لها مداد. لم أر شخصا أو حتى شيئا يضاهيه في صلابته و صموده.. ذاك الصبي ابن الثامنة الذي خرج من قريته صوب العاصمة مع عمه و ابناء عمومته، باحثين عن عمل ولا يملك في جعبته الا ما حفظه من القرآن الكريم.. اشتغل كجامع محصول وناقل خبز و خباز و فران.. و مرت العقود و السنون لينتهي به المطاف و يكون واحدا من رواد صناعة الخبز و الطحن و تجارة المواشي في الجمهورية، و صاحبا لعدد من المطاحن و المخابز انتشرت بناياتها و انشطتها في 6 محافظات على الأقل.. عاد لبلدته عين أعيانها و أغنى أغنيائها.. حرفيا، لا أحد لا يعرف من هو الحاج و اسمه لا يخفى على الصغير قبل الكبير.. خيره على الجميع و هو حامل همومهم.. نفوذه على الكل.. وكلمته تنصت اليها كل الآذان.. و أوامره نافذة بلا نقاش. لم أر مخلوق محب للنجاح و العمل و العلم كهو.. لم يؤت من العلوم الكتابية الا قليلا فكان أكبر مشجعي ابنائه و احفاده على العمل و التفوق..يسأل أولا بأول عن أحوالهم و مراكزهم و مراحل درا

من الزهور للجذور 10: بنيران صديقة

في ظل اسمترار قطع وسائل الأتصال لليوم الخامس -ما عدا شركات المحمول أعادت خدماتها بتدرج- لعبت قنوات الأخبار الخاصة الدور الأبرز في نشر الدعوات (للمظاهرة المليونية)...فقبل الثلثاء الثاني في أيام الغضب, نشرت وسائل الأخبار انباء عن اعتزام القوى المعارضة تنظيم  مظاهرة مليونية تملأ الميادين و الشوارع, تعكس الرفض الشعبي القاطع لأستمرار الحاكم في منصبه, و بالفعل نجحت دعواتهم في تنظيم المظاهرة الأكبر حتى يومها.   أخذت الميادين تأخذ شكلا جديدا من الأستعدادات, لا سيما قلب القاهرة, ميدان التحرير...فقبل أن تشق شمس الثلاثاء ظلام الليل بدأ المعتصمون في تجهيز الساحة لأستقبال المتظاهرين, منصات قليلة و اذاعات بٌنيت بعيدة عن بعضها و استقرت في اركان الميدان, لافتات ضخمة كست المباني المطلة علي الساحة الواسعة, و مع دخول النهار انتشر متطوعون امام مداخل الميدان لنتظيم عملية الدخول التي بدأت من بكورة الصباح, و للتفتيش عن مندسين من جانب الحكومة قد يستثيروا العنف.   توافدت الأعداد الى الميدان بكثافة و العملية غاية في التنظيم...المتطوعون يسألون الوافدون اظهار تحقيق الشخصية و الأبسامة تكسو وجوههم, ثم يطل

من الزهور للجذور 9: أرق

دعوات سريعة الأنتشار للخروج, استعدادت غير مسبوقة, مظاهرات اتسعت حتى طالت كل اقطار البلاد,  طالت المدة, و كثرت الأعدادا, و واجهت عنف غير انساني لأربع أيام, اعتفال, ضرب,سحل, أطلاق رصاص و دهس…انسحاب الشرطة و هروب المساجين, انتشار قوات الجيش و قوات البلطجية, فرض حظر التجوال, خطاب من حاكم لشعب و اعترافه بظروف عصيبة راهنة…عوامل كانت كفيلة بتغيير الكلمة, بمسح لفظ و كتابة آخر, بتغيير العنوان, بتصعيد الوصف من مظاهرات الى ثورة. اربعة ايام كاملة اخذت ترفع بمنحنى الأحداث, تضع صور و تصورات و أماني لأضاع جديدة تمر و خريطة جديدة لحياة المصريين, ترسم طريقا جديدا تسلكه البلاد, اربعة  أيام صار أولها يوما يفصل بين النوم و الأستيقاظ, بين الخمول و الأستفاقة, بين الركود و الأنتفاضة, بين الرضا بالذل و البحث عن الكرامة…بين الموت و البعث.       يوم خامس جديد في أيام الغضب, احتشاد و اعداد كبيرة تزيد تدريجيا مع مرور وقته, لافتات و هتافات,  لكن في أجواء مختلفة تماما عن الذي سبقتها. لم يعتد الناس رؤية مدرعات و سيارات الجيش في الشوارع, و التي انتشرت امام الأماكن الحيوية و المنشآت العامة لحمايتها من أعمال نهب

من الزهور للجذور 8: الورقة الأخيرة

انسحب الجنود الراجلين, لكن أخذت احد مدرعاتهم تتقدم بسرعة, تشق جموع المتظاهرين و تتحرك بينهم بعشوائية, تدهس العشرات منهم دون توقف, تذهب و تعود دون هدف محدد الا القتل, ثم تفر هاربة دون ان يستطيع أحد على تتبعها...خلفت السيارة ورائها عشرات القتلى و الجرحى, محاولة تفريق المتظاهرين قبل أن تهرب, و قبل يستمر العنف ضد الثوار..أصوات لطلقات نارية لرصاص مطاطي, انطلقت من اسلحة يحملها قليل من من كانوا يأمروا الجنود في بداية المظاهرات, يقفون بعيدا بعد ان تركوهم جنودهم, يضربون الطلقات و يوجهوها الى صدور المسالمين العزل, فتصيبهم اصابات بالغة, من كسور و كدمات خطرة, ثم يفروا, تاركين المصابين تغطيهم دمائهم, و يتجمع حولهم الكثير لأسعافهم و انقاذهم, لكن أدواتهم الأولية لا تسعف مصابين في تلك المرحلة الخطرة...لم يهدأ المشهد الدموى بعد, فمع دخول الغروب, بدأت تشق صمت السماء اصوات لطلقات اشد قوة  من الرصاص المطاطي...طلقات و ذخيرة حية, لا يعلم أحد مصدرها, أصوات تأتي من بعيد يقع بعد حدوثها بلحظات كثير من القتلى و المصابين...المشهد مرعب, لا يعلم أحد من أين توجه اليه الضربات, ولا يستطيع أحد أن يرى من يوجه اليهم تل

من الزهور للجذور 7: غضب و دماء

عرق كثيف يتخلل عيون جاحظة, يتصبب على وجوه التصقت بفتحات صندوق السبارة الصغيرة...اصوات انفاس متسارعة و كأنها لعداء اتم لتوه سباق ماراثوني طويل, ضربات قلوب مضطربة و نظرات تتابع شوارع تنسحب للوراء, تودع عالم واسع و تستقبل آخر تتوقعه ضيق خانق, مؤلم و مرعب...نظرات من أعين هرب منها بريق أمل النجاه و الهروب...ببطئ. اسقرت السيارت و اغلقت خلفها بوابات حديدية كبيرة, اصوات تأمر بالنزول بانتظام, أصوات اخرى تحصي الأعداد و ايادي تدفع المختطفين الى ساحة كبيرة أمام مبنى عريض يشبه المدارس الحكومية, كلمات ذهبية ضخمة تغطي جزء لا بأس به من أحد طوابقه , تفيد أنهم بأحد معسكرات تدريب جنود الأمن المركزي, التابع لوزارة الداخلية...جنود عزل بملابس نومهم يشكلون سورا بأياديهم المتشابكة, يتبعه الزوار الجدد ليجدوا منامهم...غرفة واسعة خاوية الا من البرد و التراب و جردل صغير في أحدالأركان لقضاء الحاجة...كانت ساكنة لم تطأ أرضها أقدام منذ أيام, تدخلها أجساد منهكة و صدور ملأها الخوف فضاقت بأصحابها.  صوت احتكاك الأقدام بالأرض لا يسكن, ظل الداخلون يتزايد عددهم بلا توقف حتى بعد ان شقت الشمس ظلام الليل, فسيارات جديدة ت

من الزهور للجذور 6: هدوء نسبي

يوم جديد تناقضت فيه المشاعر, فكان هناك من يأس من الأستمرار, و هناك من اصر على المضى حتى و لو كان الوحيد, و هناك من تعقل و صبر حتى يوم يراه مناسب لنيل ما اراد...مظاهرات قليلة و اعداد المتظاهرين محدودة, نقابات معدودة أمامها قليل من أعضائها محاطون بجدار بشري أسود يهتفوت بصوت ضعيف يكاد المستمع التمييز بين الصوت و الآخر بوضوح, يرفعون لافتات صغيرة يستخدمونها احيانا في صد آشعة الشمس تحمل شعارات كتبت بخطوط و ألوان مظمة, و ورقات اخرى اصغر طُبع عليها شعرات مشابهة (تونس هي الحل) و شعار آخر وُجه لرئيسهم و اشتهر كثيرا فيما بعد (ارحل)...و يجاورهم ميدان خال الا من سيارات قليلة مسرعة و اخرى خضراء ضخمة تقف بجانب ارصفته, و آثار تدل على تجمهر ضخم كان يملأه منذ ساعات قليلة. اشتدت حرارة الشمس حتى وصلت لذروتها, سكت من يهتفون سريعا و ان كان هتافهم ضعيف لا يكاد يحرك ورقة شجر, و سريعا بدأ جنود الأمن في مزاولة عادتهم, أوامر تصدر اليهم لا يسمها أحد غيرهم, فيلوحون بعصيهم و يرفعونها عاليا في الهؤاء ثم تهبط بقوة كقنابل على الأجسام مسببة آلام مبرحة مكان هبوطها...خطوط ملونة و كدمات واضحة و في كثير من الأحيان نز

من الزهور للجذور 5: الجولة الأولى

مع انسحاب آخر خيوط النهاربدأ يظهر الاجهاد على المحتجين, فبعد يوم طويل من السير و الوقوف و هتاف يبعث الحياة في قلوب رضت بالموت, بدى عليهم حاجتهم للراحة, فخفتت الأصوات تدريجيا, و توزع من تظاهروا يوما لعدة أماكن داخل الميدان و قد عزم معظمهم على المبيت معلنين الأعتصام بأجل غير محدود حتى يأتيهم رد يرضي طموحاتهم. منهم من ملأوا حديقة الميدان مُستلقين طامعين في شئ من الاسترخاء, و منهم من جمع أموالا و ذهب لشراء أطعمة ليقوم بتوزيعها, و منهم من ذهب ليأتي بالخيام و البطاطين, و منهم من طافوا الميدان مرددين (الجدع جدع و الجبان جبان, بينا يا جدع هنبات في الميدان), و منهم من فتح مجالا للحديث مع ضباط الأمن ليقنعوهم أن من تظاهر معهم و ليس ضدهم, و ينادي بحق هو لهم و ليس للمدنيين وحدهم, وسط ردور أفعال بدت مُرحبة من الشرطيين و واعدة بأنهم لن يتعرضوا للمتظاهرين حتى لو جائتهم أوامر بالضرب, و وسط ثقة بصدق رجال الشرطة... لكن لم يمر كثير من الوقت حتى كشفت افعالهم وجوههم الخادعة, و وعودهم الكاذبة. انتصف ليل القاهرة, و سكنت الأصوات الى حد كبير, فقط اصوات متباعدة لحلقات سمر تتفرق في حديقة الميدان, و يفصلها أجس