الحيوان

لم يكن كابتن سيد السبع، اقدم أعضاء السيرك، حاضرا في الإجتماع الطارىء الذي قام به المدير. ورغم أن الكابتن هو مدرب الأسد غضنفر الذي تسبب مرضه المفاجيء بأزمة حقيقية لكل العاملين بالسيرك، إلا إنه كان آخر العالمين بأمر المدير لحل الأزمة. مرض غضنفر المفاجىء حل عليه قبل يوم واحد من بدىء العرض الأهم للسيرك في آخر عدد من السنوات. فبعد أن فقد السيرك المتنقل رونقه وسمعته، سواء بسبب تكرار العروض القليلة أصلا، أو بسبب استمرار نقص العارضين على مر الأيام واعتذارهم لأي سبب كان، خاصة لكبر السن، أو بدون أسباب أصلا لمجرد أنه صار موضة اقترنت بزمن فات؛ جائت فرصة محاولة احيائه من جديد بعد أن استقبل المدير هاتفا يعلمه أن قناة تليفزيونية مغمورة تود أن تنتج فيلما وثائقيا عن السيرك وتاريخه الذي لم يعش منه إلا غضنفر وكابتن سيد. بالإضافة إلى عدد قليل من عارضي الأكروبات الصغيرين والمتناوبين بخبراتهم القليلة على السيرك وأهله. وكان مهم جدا أن تصور القناة أحد العروض لا سيما وأن غضنفر سيكون موجودا وهو الأسد الذي انتزع بزئيره ساعات من التصفيق أيام العز. لم يود المدير تأجيل التصوير ولا العرض، خشى ألا تأتي ال

من الزهور للجذور 9: أرق

دعوات سريعة الأنتشار للخروج, استعدادت غير مسبوقة, مظاهرات اتسعت حتى طالت كل اقطار البلاد,  طالت المدة, و كثرت الأعدادا, و واجهت عنف غير انساني لأربع أيام, اعتفال, ضرب,سحل, أطلاق رصاص و دهس…انسحاب الشرطة و هروب المساجين, انتشار قوات الجيش و قوات البلطجية, فرض حظر التجوال, خطاب من حاكم لشعب و اعترافه بظروف عصيبة راهنة…عوامل كانت كفيلة بتغيير الكلمة, بمسح لفظ و كتابة آخر, بتغيير العنوان, بتصعيد الوصف من مظاهرات الى ثورة. اربعة ايام كاملة اخذت ترفع بمنحنى الأحداث, تضع صور و تصورات و أماني لأضاع جديدة تمر و خريطة جديدة لحياة المصريين, ترسم طريقا جديدا تسلكه البلاد, اربعة  أيام صار أولها يوما يفصل بين النوم و الأستيقاظ, بين الخمول و الأستفاقة, بين الركود و الأنتفاضة, بين الرضا بالذل و البحث عن الكرامة…بين الموت و البعث.
 
    يوم خامس جديد في أيام الغضب, احتشاد و اعداد كبيرة تزيد تدريجيا مع مرور وقته, لافتات و هتافات,  لكن في أجواء مختلفة تماما عن الذي سبقتها. لم يعتد الناس رؤية مدرعات و سيارات الجيش في الشوارع, و التي انتشرت امام الأماكن الحيوية و المنشآت العامة لحمايتها من أعمال نهب انتشرت سريعا و متزامنة مع هروب الشرطة. لم يعتد المتظارهرين البقاء في اماكنهم دون وجود أعدائهم الأوائل, أصحاب الرداء الأسود و الشارات الذهبية. اختفت الشرطة من أمام أعينهم, فمرت ساعاتهم بهدوء...هذا قبل أن يأتي الليل بما هو أصعب. تزامن مع أختفاء قوات الأمن انتشار تدريجي لأعداد من البلطجية و الخارجين عن الفانون, هدفوا لأقتحام أي باب تراه أعينهم و سرقة كافة ما تلمسه أناملهم. بدأت القصة بهروب مفاجئ لأعداد كبيرة من مساجين السجون و الأقسام, ثم انتشار الأخبار عن أعداد متضاعفة عن الهاربين, ثم أنباء عن اقتحام فرق الفارين عشرات المحال و البنوك, ثم اتجاههم الى المنازل و افراغها من كل محتواتها القيمة...بدت الأحوال غير مطمئنة, و عاشت الأهالي ساعات مرعبة, وسط أخبار تذاع و تنتشر عن انتشار البلطجية في كل شبر في البلاد, و هجومهم الضاري على الأخضر و اليابس, فساد الأرتباك على الجميع, فملتزمي الميادين شعروا بأنهم وضعوا بين فكيي الرحى, فأن بقوا في أماكنهم زاد قلقهم على ذويهم خاصة مع اسمرار انقطاع وساءل الأتصال, و ان عادوا لحمايتحم ظنوا انه تقهقر انسحاب من ارض المعركة, و الأهالي تخاف من تلقى مصير من تتحدث عنهم الأخبار من ضحايا اللصوص…مرت ساعات ليل أولى عصيبة, قبل أن يأتى الحل من الشارع المصري.
 
   اتفق شباب الأهالى و الجيران على القيام بدور قلل نسبيا من قلق الطرفين, الثوار والأهالي...بدأوا سريعا في تنفيذ فكرتهم, تحرك الشباب مسرعين من منازلهم, حاملين اسلحة للدفاع عن أنفسهم و بيوتهم, من سكاكين و عصي و أنابيب, و تكفلوا بتشكيل لجان منظمة تنتشر في كافة المناطق, تقوم بحماية المنازل و المحلات, تفتش كل من يبدوا مريبا و ان صاب ظنهم فيمن توقعوا اجرامه بعدم امتلاكه بطاقة شخصية, او حوذته على مسروقات, يقومون بالقبض عليه الى ان يسلموه الي قوات الجيش. مرت الساعت طويلة على منظمي اللجان الشعبية, التي انتشرت سريعا في كل الشوارع, و بدت ساعات الليل الأولى و كأنها ساعات الفجر, بعد ان خوت الشوارع من الحياة, فالتجار اغلقوا محالهم و انضموا لحمايتها, و التزمت الأهالي  المنازل معتمدة على الشباب في تأمينها.
 
   ثلاث ليال جديدة ماتت فيها الحياة تماما, رغم ابتعاد النوم عن الرؤوس, لم تعد تسهر الشوارع, و اختفي دبيب الأقدام, و أصوات مذايع و تلفزيونات المحلات ذهبت كما ذهبت انوارها, التصقت كافة السيارات بالأرصفة, و التزم الجميع منزله الا من اناب عنه للحماية, و عن البلطجة و السرقة و الميتات الوحشبة لم يكن لقصصها المرعبة مكان سوي في قنوات الأخبار, الا حالات قليلة جدا سمع منظمي اللجان عنها كانت تنتشر بينهم و يقال أن حادثة ما حدثت في المنطقة المجاورة, و حالت أقل, تكاد تكون واحدة أو أثنين على الأكثر في ثلاث ليل متتابعة تم القبض فيها على لصوص محاولين الهروب من هذه الكمائن المحكمة…مر كثير من الوقت, قبل ان يبدأ اتتضاح  الصورة... بدأت تنقشع الغمامة شيئا فشيئا, بدأت تظهر خيوط تكشف تفاصيل خطة دنيئة استهدفت المعتمصين الملتزمين أماكنهم منذ الجمعة, المتحديين قرار حظر التجول, عن طريق أهاليهم. أختفت الشرطة من كافة المواقع و الأماكن, الشوارع, الأقسام, النقاط, السفارات و المطارات, و في أوقات متقاربة, ثم بدأ الدفع بالمساجين و اطلاق سراحهم, و ليس هروب كما انتشر, فكيف للمساجين الهروب من احتيطات أمنية في غاية الشدة, من زنازين و أسوار عديدة متتالية و أبواب كثيرة و بوابات حديدية عتيدة و أسوار شاهقة و أسلاك شاءكة و أجهزة اذار و أبراج يعلوها قناصة, و جنود مسلحين...قد تحدث حالات هروب فردية من سجن ما, لكن ليس من الممكن هروب بالآلاف من عدة سجون في اوقات متقاربة...ثم انتشرت الأخبار عن عمليات السرقة واسعة الأنتشار بالغة القوة من هؤلاء المسجونين, كيف لسجين أن يهرب لتوه أن يبدأ في السرقة و القتل, الن تدور في رأسه فكرة الأختباء قبل أن يعود من حيث جاء, لن يشعر بشئ من القلق أنه ما زال مطلوبا و خارجا عن القانون فيخاف ان يزاول مهامه القديمة قبل ان تهدا أوضاعه هو على الأقل, اليس لديه أهل  يرغب في رؤيتهم...هذه الأخبار كان من المفترض أن تبث الرعب في قلوب المعتصمين فيعودا مسرعين لتأمين ممتلكاتهم, و من ثم يسحبوا ثورتهم وراء ظهورهم...اما عن حالات الأجرام التي شوهدت فعلا, ما كانت الا لأعداد قليلة من بلطجية أستغلوا وجود الفراغ الأمني فأملوا ان يظفروا بشىء كما ظفر من صدقوا وجودهم...انتشار اللجان الشعبية كان توزيعا للأدوار بين الثائر و من يؤمن له ظهره, بين من مضى متقدما فترك ورائه ما يحتاج لحماية فوجد من تكفل بحمل هذا العبء عن كاهله, و كأنها خطة أجتمع شعب مصر ببعضه قبل تنفيذها, هؤلاء في المقدمة, و هؤلاء من وراءهم للحماية من الطعنات الخلفية.

24/7/2011

Popular posts from this blog

الدور العشرين

من الزهور للجذور 4: بميعاد مسبق

على الجانب الآخر