صباح السبت 15 يناير, الصحف القومية المصرية و التلفزيون المصري يعتمون تماما على ما حدث في تونس و كأن شيئا لم يكن, او كأن ثورات الشعوب و نجاحها ليس بالحدث القيم الذي يستحق النشر, أو اسقاط الأنظمة الفاسدة خبر قد ينشر أفكارا مسمومة برؤوس المصريين قد تفيقهم من غيبوبتهم و تعرفهم حقوقهم فيسألون عنها أين ضاعت. و بدل أن تتصدر تونس العناوين, كانت الوعود السريعة بأن آلاف الأفدنة و الوحدات السكنية جاهزة للتسليم للشباب الخريجين, و آلاف من فرص العمل تنتظر من يشغرها, و أخبار عن أن مصر قد حققت أعلى معدلات للتنمية منذ اعوام عديدة, في محاولة لصرف أنظار المصريين عن تونس و اغماسهم في التفكير في عهود وهمية. لم يصدق أحد, أو أحدا لم يهتم, فكل ما شغل المصريين و تردد على ألسنتهم حينئذ هي تونس, و كانت لهم مصادرهم الصادقة الغير حكومية.
(فيس بوك), بالأمس كانت صفحاته مليئة بالأهلة و الصلبان, اليوم الحديث ليس الا عن تونس, العلم التونسي صوره على كل الصفحات, الخطاب الأخير لبن علي, الأخبار المتلاحقة عن مصير طائرة الرئيس المخلوع الذي سماه من خلعوه بزين الهاربين, و حكايات و أبيات شعر عن ارادة الشعوب و حقها في تقرير مصائرها, و روايات عن بوعزيزي الذي تحول من تاجر الي بطل و مفجر ثورة. مع أن الوضع كان سياسي, كانت الاجواء مبهجة للمصريين كما كانت لأهل تونس. المصريون يباركون لأشقائهم الحرية, و الأحرار يتمنون لمصر أن تلحق بهم, فهم يعلموا أن الوضع في مصر لم يكن أفضل من تونس.
ما ان عرف عامة الشعب بقصة الثورة التونسية و كيف بدأت, حتى حاول القليل من البسطاء اليائسين نقل سطور البداية كما كانت, آملين ان يحركوا سكون مصر. ففي أقل من اسبوع حاول 8 اشعال النار بأجسادهم امام مقار لمصالح و مؤسسات حكومية في مناطق مختلفة, محاولين جلب الأنتباه لطبقتهم, فقد سأموا الوعود الشفوية و الصبر الأبدي. لكن ردود المسؤولين كانت مخيبة, ليصرح أحدهم بان هؤلاء يبتغون الشهرة و الظهور على شاشات التلفزيون, و لذلك منع التصوير في المستشفيات, و ليموتوا حرقا و قهرا.
*****
بدأ الكثير من المتابعين في اقامة مقارنات بين الدوافع التونسية و الأحوال المصرية و لم يكن هناك اختلاف كبير, حالة الطوارئ, البطالة, الفقر, الفساد, الجهل, التزوير, التربح, تزاوج السلطة بالمال, و أناس تعدوا بسلطاتهم حدود القانون فأصبحوا فوقه...و سريعا انتشرت احصائيات و ارقام عن عدد المصريين العاطلين, عدد العشوئيات و من سكنوها, من حوصروا تحت خط الفقر, من ماتوا في حوادث سببها أهمال و غياب ضمائر المسؤلين, من حاولوا الهجرة هربا من الجوع فماتوا غارقين, من عُذبوا و قُتلوا في أقسام الشرطة من قبل وحوش سادية تتلذذ برؤية من أمامها يتعذب و بسماع صرخاته يتألم و يتوسل, و تزوير لأنتخبات مجلسي الشعب و الشورى و استخدام البلطجية في ارهاب المُنتخبين او لأجبارهم لأنتخاب شخص بعينه ليكون ناءب عن شهواته و مصالحه بدلا من ان ينوب عن ابناء شعبه, و تفصيل و تعديل لمواد دستورية لتانسب مزاج الزبون أو الرئيس و تمهد الطريق لنجله لكي يورثه...و الكثير. و بما أن الدوافع تشابهت بل و رجحت كفة مصر في ميزان الفساد, فلم لا تتطابق ردود الأفعال؟...كثافة ما نُشر اعاد ايقاظ مشاعر غاضبة, فتحمس الكثير لفكرة المسيرة الغاضبة أسوة بأهل تونس.
أراد الجميع البدء في محو صورة الفساد و الفقر فاتشرت دعوات مطالبة بالخروج للمطالبة بكثير من التعديلات الأجتماعية, مُحددة مطالبها و هي الغاء قانون الطوارئ الذي فُرض على البلاد طوال 30 عاما, محاكمة وزير الداخلية و المسؤل عن حوادث التعذيب في اقسام الشرطة, حل مجلسي التزوير الذين قاموا على أساس الأجبار و ليس الأختيار, تحديد الحد الأدنى للأجور و هو 1,200 جنيه و الحد الأقصى عشرة أضعاف. بدأت الصورة تتضح معالمها بسرعة و جدية, فازدادت اعداد من أكدوا خروجهم في أكثر من محافظة, و اتفق الجميع على يوم 25 يناير و أسموه بيوم الغضب. و كعادة المسؤلين كانت ردودهم اقل من الحدث و مستهينة به, فخرج وزير الخارجية بكلام يؤكد فيه استحالة تكرار السيناريو التونسي على أرض مصر, مبررا بأن مصر ليست تونس, و أن الخروج في المظاهرات كلام فارغ.
أشد المتفائلين ممن نوى التظاهر و اشد المتشائمين ممن خرجت المظاهرات ضدهم, لم يتوقع أحد منهم أن يُخلد يوم 25, و أن تلصق به كلمة ثورة.
أحمد فرغلي
18/3/2011