الحيوان

لم يكن كابتن سيد السبع، اقدم أعضاء السيرك، حاضرا في الإجتماع الطارىء الذي قام به المدير. ورغم أن الكابتن هو مدرب الأسد غضنفر الذي تسبب مرضه المفاجيء بأزمة حقيقية لكل العاملين بالسيرك، إلا إنه كان آخر العالمين بأمر المدير لحل الأزمة. مرض غضنفر المفاجىء حل عليه قبل يوم واحد من بدىء العرض الأهم للسيرك في آخر عدد من السنوات. فبعد أن فقد السيرك المتنقل رونقه وسمعته، سواء بسبب تكرار العروض القليلة أصلا، أو بسبب استمرار نقص العارضين على مر الأيام واعتذارهم لأي سبب كان، خاصة لكبر السن، أو بدون أسباب أصلا لمجرد أنه صار موضة اقترنت بزمن فات؛ جائت فرصة محاولة احيائه من جديد بعد أن استقبل المدير هاتفا يعلمه أن قناة تليفزيونية مغمورة تود أن تنتج فيلما وثائقيا عن السيرك وتاريخه الذي لم يعش منه إلا غضنفر وكابتن سيد. بالإضافة إلى عدد قليل من عارضي الأكروبات الصغيرين والمتناوبين بخبراتهم القليلة على السيرك وأهله. وكان مهم جدا أن تصور القناة أحد العروض لا سيما وأن غضنفر سيكون موجودا وهو الأسد الذي انتزع بزئيره ساعات من التصفيق أيام العز. لم يود المدير تأجيل التصوير ولا العرض، خشى ألا تأتي ال

من الزهور للجذور 2: أرادوا الحياة

عربة للفاكهة و الخضار, هي مصدر الرزق الوحيد لشاب في أوائل العشرينات من حاملي الشهادات الجامعية. دفعته ظروف البطالة الى الأستغناء عن كل ما تعلمه طوال عشرين عاما أو أكثر و الأستعانة بالعربة ليجد قوت يومه, و حاله كحال الآلاف من أبناء جيله, تعلموا ثم عملوا بما جهلوا ليجدوا ما يعينهم على العيش...فقط ليبقوا.
 
 
 
السلطات البلدية التونسية, لم يروق لها حال محمد البوعزيزي –صاحب العربة-, فبعثت منها من يصادر العربة بحجة أنها تشوه المظهر العام, و أنها غير مرخصة. وصل الشرطيون, و شرعوا في ازالة العربة سريعا و دون نقاش, احتج الشاب و حاول منعهم سائلا من أين ياتي برزقه, فردت احدى الشرطيات بصفعه على الملأ, ارتطمت كفها بوجهه, مصدرة صوت اسكت كل مُشاهد, ثم أشارت بسببابتها قائلة: أرحل. ظل كل منهما ينظر للآخر لثوان, الشرطية تتوعد بنظاراتها أن تتخذ ما هو اشد لو لم يرحل, و بوعزيزي يعزم على استرداد حقه. استدار و مضى مسرعا, متوعدا بعدم التزام الصمت و باسترداد العربة, و سائلا الله الأنتقام ممن اهانته. اتجه بوعزيزي الى المجلس المحلي و اللذي  كان يبعد عن مكان العربة ببضعة أمتار, حاول أن يشكو حاله لمن هو أكبر منه مركزا و سلطة, آملا في أن تعود عربته و أن تحاسب من أهانة  كرامته, لكنه فوجئ بأن موقف من استنجد بهم جاء مواليا لمن صفعته. شعر بالأحباط و الضيق, و أقتنع  بأن حق أمثاله في هذا البلد مكانه بطون و خزائن المسؤولين.
 
 
 
ذهبت العربة, و ذهبت معها آخر آمال بوعزيزي في هذه الحياة, أهانه من هو أقوى منه, و خذله من أستنجد به, فيأس من مجيء اليوم الذي يشهد فيه حياة أفضل و عزم على اضرام النار في جسده, آملا فى أن يلفت أنظار و يحرك قلوب من يشعر بمعاناته. و أشتعلت النار و لكنها لم تكن نار محمد البوعزيزي وحده, بل كانت نار ثورة بدأت بمدينته, مدينة سيدي بو زيد, و طالت ألسنتها كل البلاد.
 
 
 
صباح السبت 18 ديسمبر, و بعد حادث عربة الفاكهة بيوم, خرج المئات في قرية سيدي بوزيد, متضامنين مع صاحبها و الذي تعدت نسبة الحروق بجسده ال%90. قائلين أنهم كلهم بوعزيزي, شاكين مما أشتكى,مطالبين بحقه و حق الملايين من أبناء طبقته, سائلين تحسين الأحوال المادية و محتجين على ارتفاع نسب البطالة. لكن سرعان ما تدخلت الشرطة قامعة, مستخدمة اساليب متعددة من العنف حتى ضد هذا العدد القليل, من قنابل مسيلة للدموع و الضرب بالعصي, فأسفر العنف عن عنف, و قام المحتجون بتكسير عدد من المحلات للبحث عن منفذ يعبرون منه عن غضبهم. لكن انتهت ساعات الاحتجاج سريعا باعتقال العشرات و منعهم من المطالبة بحقهم, فحقوقهم لم تكن لهم, بل كانت و ظللت في قبضة من لا يستحق. لكن ما كان للقهر ان يسكت صوت الحق...أتسعت الدائرة, ازداد عدد المدن المحتج ابنائها, و انضم الشيوخ للشباب, و النساء للصبايا, الأعداد أصبحت تقدر بالآلاف, الآلاف التي خرجت تطالب بالعدالة و المساواة الأجتماعية, و الشرطة تواصل نظامها المُتسم بالجهل و النفاق في التعامل مع الأزمات و هو اخفاء العيوب, لا اصلاحها, اخراس المتضرر أو حتى قتله, لا ارضاءه.
 
 
 
الأيام تمر و الأسابيع, الأعداد تخطت المائة ألف, أصبحت كلمة مظاهرة لا تناسب الحدث, المعارك تزداد شراستها بين الشرطة و الشعب, الأسلحة ازداد ثقلها و وصلت لأستخدام الرصاص الحي, المصابين و القتلى من الترفين يُقدر عددهم بال400 أو أكثر, المطالب تتحول من اجتماعية الى سياسية و يرتفع سقفها كل يوم, وصولا بمطالبة الرئيس بن علي الذي حكمهم طوال 23 عاما بقبضة من حديد بمغادرة البلاد. وأخيرا خرج بن علي عن صمته, ووعد بارضاء الثوار لكن وعوده المتأخرة ما أسمنت و لا أغنت من جوع, ردوده تأخرت, فما أسفرت الا عن اضعاف موقفه, ففكر في الورقة الأخيرة, و هي الأستعانة بالجيش لأخلاء الشوارع.  انضم الجيش للمعركة, لكنه اصتف أمام الثوار و ناصرهم, و حماهم فكان درعهم الواقى من رصاص الشرطة. شعر الشعب بالنصر, و أشم بن علي رائحة الانكسار, فخرج مستعطفا, قائلا لشعبه انه فهمهم, لكن استعابه المتأخر زاد من شدة الرياح التى عصفت به, فما كان للرئيس و بعد اسبوعين من العام الجديد, الا ان فر خارج البلاد تحت ضغط شعبه و جيشه الذي استعان به, فخذله هو الآخر من استنجد به.
.
 
 
 
كل شيء يحدث في تونس, تتابعه اعين المصريين عن كثب. لتنتشر الأخبار, و تنتشر معها العدوى البوعزيزية.

أحمد فرغلي
14/3/2011

Popular posts from this blog

الدور العشرين

من الزهور للجذور 4: بميعاد مسبق

على الجانب الآخر