الحيوان

لم يكن كابتن سيد السبع، اقدم أعضاء السيرك، حاضرا في الإجتماع الطارىء الذي قام به المدير. ورغم أن الكابتن هو مدرب الأسد غضنفر الذي تسبب مرضه المفاجيء بأزمة حقيقية لكل العاملين بالسيرك، إلا إنه كان آخر العالمين بأمر المدير لحل الأزمة. مرض غضنفر المفاجىء حل عليه قبل يوم واحد من بدىء العرض الأهم للسيرك في آخر عدد من السنوات. فبعد أن فقد السيرك المتنقل رونقه وسمعته، سواء بسبب تكرار العروض القليلة أصلا، أو بسبب استمرار نقص العارضين على مر الأيام واعتذارهم لأي سبب كان، خاصة لكبر السن، أو بدون أسباب أصلا لمجرد أنه صار موضة اقترنت بزمن فات؛ جائت فرصة محاولة احيائه من جديد بعد أن استقبل المدير هاتفا يعلمه أن قناة تليفزيونية مغمورة تود أن تنتج فيلما وثائقيا عن السيرك وتاريخه الذي لم يعش منه إلا غضنفر وكابتن سيد. بالإضافة إلى عدد قليل من عارضي الأكروبات الصغيرين والمتناوبين بخبراتهم القليلة على السيرك وأهله. وكان مهم جدا أن تصور القناة أحد العروض لا سيما وأن غضنفر سيكون موجودا وهو الأسد الذي انتزع بزئيره ساعات من التصفيق أيام العز. لم يود المدير تأجيل التصوير ولا العرض، خشى ألا تأتي ال

من الزهور للجذور 8: الورقة الأخيرة

انسحب الجنود الراجلين, لكن أخذت احد مدرعاتهم تتقدم بسرعة, تشق جموع المتظاهرين و تتحرك بينهم بعشوائية, تدهس العشرات منهم دون توقف, تذهب و تعود دون هدف محدد الا القتل, ثم تفر هاربة دون ان يستطيع أحد على تتبعها...خلفت السيارة ورائها عشرات القتلى و الجرحى, محاولة تفريق المتظاهرين قبل أن تهرب, و قبل يستمر العنف ضد الثوار..أصوات لطلقات نارية لرصاص مطاطي, انطلقت من اسلحة يحملها قليل من من كانوا يأمروا الجنود في بداية المظاهرات, يقفون بعيدا بعد ان تركوهم جنودهم, يضربون الطلقات و يوجهوها الى صدور المسالمين العزل, فتصيبهم اصابات بالغة, من كسور و كدمات خطرة, ثم يفروا, تاركين المصابين تغطيهم دمائهم, و يتجمع حولهم الكثير لأسعافهم و انقاذهم, لكن أدواتهم الأولية لا تسعف مصابين في تلك المرحلة الخطرة...لم يهدأ المشهد الدموى بعد, فمع دخول الغروب, بدأت تشق صمت السماء اصوات لطلقات اشد قوة  من الرصاص المطاطي...طلقات و ذخيرة حية, لا يعلم أحد مصدرها, أصوات تأتي من بعيد يقع بعد حدوثها بلحظات كثير من القتلى و المصابين...المشهد مرعب, لا يعلم أحد من أين توجه اليه الضربات, ولا يستطيع أحد أن يرى من يوجه اليهم تلك الرصاصت, ولا أحد يعلم لماذا من أطلق عليهم النيران أطلقها, لماذا يحاول قتلهم...ماذا يحمي, و عن ماذا يدافع.

لم تستمر تلك الضربات طويلا...فعد دقائق سكنت تماما كل الأصوات, الا اصوات من يتألمون, و أصوات اقدام تهرول لتسعف من أصيب...اناس تتحرك مسرعة ترفع اجساد ذابلة على اكتافها, اطباء يبذلون اقصي ما في استطاعتهم لانقاذ من اتسعت جروحهم و كثر نزيفهم و اخترق احشائهم الرصاص, لكن ادواتهم لا تسعف الا القليل, فيبقى من يبقى من المصابون على قيد الحياة لا زال شاعرا بألمه, و يتحول آخرون من مصابين الى شهداء.

هدأت انوار الشمس التي تحركت ببطئ الى مستقرها...اصوات العصافير المميزة وقت الغروب بدأت تظهر, قبل ان تبتلعها اصوات اشد قوة و اقل عذوبة تخترق المسامع...اصوات محركات قوية و ثقيلة تقترب ببطئ, تسبق ظهور مدرعات من شكل جديد, مدرعات صفراء تقل عن سابقيها حجما لكنها تبدو أكثر شراسة, تبدوا مقدمتها و مؤخرتها بشكل واحد, تحركاتها البطيئة تكسبها هيبة و كانها وحش ثقل وزنه يحول دون ان يتحرك بخفة, سيورها الحديدية تشق ببطئ الأسفلت فتترك علامات منظمة لسلسلة من المستطيلات...مدرعات لها لوحات معدنية حمراء تعلو ارقامها كلمة "جيش".

استقرت عشرات المدرعات في كثير من الأماكن, فتحت  ابوبها الخلفية لينزل منها مئات من خير اجناد الأرض, و سط استقبال يملأه الأمل و ترحاب بأحضان و قبلات من المتظاهرين...ثقة ملأت قلوب الثوار مع ظهور جنود الجيش انهم قطعوا شوطا كبيرا في تحقيق اهدافهم, و ان هؤلاء الجنود سيكونون بمثابة  الدرع الواقى لأبناء بلادهم من أي محاولات غادرة دنيئة تقتل الأبرياء...شعروا ان يومهم انقضى بانتصار سيدفعهم الى المضي في تقدم...

مع الهدوء المطمئن الذي صحب ظهور ابناء الجيش, و اجواء التفاؤل التي تحولت الى احتفال في بعض الأحيان, بدأت عمليات جديدة و غريبة تهدف لبث الرعب في قلوب المواطنين و اجبار المتظاهرين على الرجوع...بعد ان اختفت الشرطة تماما, اختفاء بدى مريب خاصة بعد ان انسحبت ايضا من الأماكن الهادئة, حتى عساكر المرور و حرس المطارات و السفارات اختفوا تماما من مواقعهم, بدأت تظهر عصابات و جماعات بأشكال جماعية و بأعداد كثيفة تجوب الشوارع, و تبدأ في عمليات سرقة و نهب و تحطيم لكل ما تواجهه أعينهم...اشاعات تنتشر على التلفزيونات ان اعداد بالآلاف قد هربت من السجون و الأقسام و انهم قادمون للقضاء على الأخضر و اليابس, و ان هؤلاء المجرمين قد انضموا لزملائهم المتظاهرين لتحقيق اهدافهم و اغتنام كافة ما يستطيعون سرقته! و أصوات لسيدات و رجال تبكي و يصرخون, تنادي النجدة و العون, يتصلون على كافة البرامج المباشرة و يحكون ان البلطجية قد تفضلوا بدخول منازلهم و انهم معهم الآن و يوجهن الأسلحة صوب رؤوسهم!...و كثير من الأشاعات و رويات التي ارهبت الأهالي و الزمتهم منازلهم, و كان هدفها اجبار المتظاهرين على العودة لتأمين أهاليهم و منازلهم.
توجه بعض من هؤلاء المجرمين الى المتحف المصري, مستغلين اختفاء افراد حراسته, بصفتهم تابعين للداخلية و يجب أن ينضموا لأصدقائهم في اجازتهم المفاجئة...دخلوا المبنى بسهولة لا تتناسب مع أهم متاحف البلاد, دون اقتحام, فقط مروا من بواباته, و اخذوا يكسروا بعض القطع الأثرية و الصناديق الزجاجية التي كانت تحتويها, ثم حاولوا أخذ القليل من المقتنيات ليفروا بها, قبل ان يفاجئوا بشباب من المتظاهرين يواجهوهم و يمنعوهم من الخروج بهذه الكنوز, حتى نجحوا في السيطرة على هؤلاء الخونة, ليتضح من بطاقاتهم الشخصية انهم تابعين لجهاز الشرطة. بعد هذا الحادث شكل المتظاهرون سورا باجسادهم, مشبكين أياديهم حول المتحف, مانعين أحدا من الدخول, منتظرين جنود الجيش حتى تقوم بواجبها في تأمين المكان.

استمرت الحالة الأمنية متدهورة, الى ان هدأت الأوضاع مع انتصاف الليل...حيث تخلى التلفزيون المصري عن سبه و اتهامه للمتظاهرين بالمخربين و المندسين الهادفين لزعزعة استقرار مصر و اسقاطها عن الريادة!..و أذاع أول خطاب لئيس البلاد, موجهه الى المتظاهرين وعد فيه بحل المشكلات الاقتصادية وقام بحل الحكومة مع وعد بتشكيل حكومة أفضل وتوفير فرص أكبر للشعب المصري للنمو والرخاء وترك مزيد من الفرص للحريات...لكن خطابه تأخر ثلاثة أيام كاملة, لو كان أُذيع بعد أول يوم من الأحتجاجات لأتى بثماره و أرضى المعترضين و أعادهم الى منازلهم راضين عما جنوه, لكن التأخر الغير مبرر ادي اتساع دائرة المطالب و ارتفاع اسقفها..فكانت ردود الأفعال رافضة لما أذيع, فهم يروا ان مئات من قتلوا و دهسوا و اهينوا لم يفقدوا حياتهم في سبيل ذهاب حكومة لتنضم لكثير ممن سبقوها تحت حكمه, و تأتي اخرى تتحرك تحت امارة نفس الرأس.أثار الخطاب استفزاز الملايين, و ما كان الا ان ازدادت اعداد المحتجين.

أحمد فرغلي 
30/5/2011

Popular posts from this blog

الدور العشرين

من الزهور للجذور 4: بميعاد مسبق

على الجانب الآخر