الحيوان

لم يكن كابتن سيد السبع، اقدم أعضاء السيرك، حاضرا في الإجتماع الطارىء الذي قام به المدير. ورغم أن الكابتن هو مدرب الأسد غضنفر الذي تسبب مرضه المفاجيء بأزمة حقيقية لكل العاملين بالسيرك، إلا إنه كان آخر العالمين بأمر المدير لحل الأزمة. مرض غضنفر المفاجىء حل عليه قبل يوم واحد من بدىء العرض الأهم للسيرك في آخر عدد من السنوات. فبعد أن فقد السيرك المتنقل رونقه وسمعته، سواء بسبب تكرار العروض القليلة أصلا، أو بسبب استمرار نقص العارضين على مر الأيام واعتذارهم لأي سبب كان، خاصة لكبر السن، أو بدون أسباب أصلا لمجرد أنه صار موضة اقترنت بزمن فات؛ جائت فرصة محاولة احيائه من جديد بعد أن استقبل المدير هاتفا يعلمه أن قناة تليفزيونية مغمورة تود أن تنتج فيلما وثائقيا عن السيرك وتاريخه الذي لم يعش منه إلا غضنفر وكابتن سيد. بالإضافة إلى عدد قليل من عارضي الأكروبات الصغيرين والمتناوبين بخبراتهم القليلة على السيرك وأهله. وكان مهم جدا أن تصور القناة أحد العروض لا سيما وأن غضنفر سيكون موجودا وهو الأسد الذي انتزع بزئيره ساعات من التصفيق أيام العز. لم يود المدير تأجيل التصوير ولا العرض، خشى ألا تأتي ال

من الزهور للجذور 4: بميعاد مسبق

اتخذ آلاف المصريين وضع الاستعداد منتظرين صافرة بداية ماراثون البحث عن العدالة و استرداد الحرية, مستمدين طاقاتهم من 30 عاما ازداد فيها الفساد تدريجيا حتى بلغ ذروته.
 
قبل عام ونصف قامت حركات المعارضة ببدء توعية أبناء المحافظات ليقوموا بعمل احتجاجات على سوء الاوضاع في مصر, و بعد حادثة خالد سعيد الشهيرة, و انتشار صفحة بأسمه على فيس بوك تدعو الى الوقوف ضد الفساد و عدم التنازل عن الحقوق, و انتشار صفحات اخرى ترصد وقائع الفساد و تتعقب الأحداث اولا بأول و بدلائل مصورة و مسجلة, ازداد وعى الناس و اصبحوا اكثر متابعة لما يجري و دراية لما يحدث, الى أن حدث ما حدث بتونس فالتهب الحماس للخروج في مظاهرات ترفض كافة أشكال الفساد الذى عاشت فيه البلاد لعقود, و ازداد اليقين انه لا بديل عن التحرك في مسيرة غاضبة, و انه لا خيار عن الصياح في وجه الظلم...حتى جاء اليوم الذي لبى فيه الآلاف دعوات الخروج.
 
آلاف عزموا على التظاهر و بدى ان المسيرات ستكون منظمة منذ لحظات الاستعداد الأولى, الأماكن و ساعات التجمع و خطوط سير و هتافات موحدة متفق عليها, نصائح عن كيفية تنظيم الصفوف و كيفية التحرك و عن ما يُستحب ارتداءه للحماية و كيفية التعامل مع قوى الأمن فى حال التدخل العنيف, و نصائح عن ما يُفضل جلبه من مأكولات و مشروبات و تجهيزات طبية كمسكنات و اسعافات اولية...و كثير من العتاد ليوم كان معروف انه لن يكون سهل أو قصير .
 
اتمت الجموع استعداداتها ليوم اعتبروه الأهم
 
...صباح الثلثاء 25 يناير
شوارع البلاد يسودها هدؤ غير مسبق, الشوارع تكاد تكون خالية مع ان الساعة قاربت ال12 ظهرا. عدد ليس بقليل من سيارات و جنود الأمن المركزي تنتشر في أماكن التجمع المتوقعة للمتظاهرين. بدأ الناس يتوافدون فرادى و بأعداد قليلة جدا تنتظر من يأتي ليملأ الصفوف, اتجه الأفراد لأماكن التجمع و انتظروا من يلحق بهم في صمت. و لم يطول الأنتظار, الاعداد القليلة تتجمع و تتزايد, اللأفراد أصبحوا عشرات و قوى الأمن ملتزمة السكون. أماكن متفرقة يجتمع بها المتظاهرون الصامتون, ما ان قاربت كل مجموعة على المائة حتى شعروا بقوة نسبية ظهرت فى أولى هتافاتهم (حرية حرية). حاصر الجنود بعض المجموعات و لكنه كان حصارا شكليا فقط, من اراد الأنضمام لمن يهتفوا ينضم, و من اراد ان يغادر فليخرج من الطوق الأمني. بدأت الناس في التحرك للشوارع الرئيسية, و بدأت المجموعات تتقابل و تتوحد, الأعداد تزداد لكن المسيرة بدت غير منظمة, فالسير عشوائي باتجاه مجهول و كل مجموعة تهتف وحدها دون ان تسمع لمن يصاحبها, الى ان ظهر شاب مرفوعا على الأعناق صائحا (اللى عايز التغيير يجي معانا ع التحرير) للتحول الوجهة للميدان الأشهر بالقاهرة.
 
اتجه المئات الى ميدان التحرير في صحبة قوى الأمن التي لم تتحرك معهم, بل ملأت كافة الطرق و الكباري التي تؤدي اليه. في الطريق الى الميدان كانت الهتافات موجهة لمن التزموا المنازل و اكتفوا بالمشاهدة من البلكونات و الأسطح مطالبة اياهم بالأنضمام الى المسيرة,و من وحد الوجهة كان هو من  وحد الهتاف, فظل طيلة الطريق مرفوعا على الأعناق يصيح و من حوله يوصلون صوته الى ابعد مدى. ظلت الأعداد تزداد بالأنضمام لركب المتظاهرين الذي ملأ الشارع بجانبيه, و علت الأصوات التى حمست الكثير ممن كان يكتفى بالمشاهدة للانضمام. اقترب المتظاهرون من احدى مداخل الميدان, لكن عدد من عساكر الأمن شكلوا حائطا متشابكا ليمنعهم من الدخول, لكن الحائط لم  يثبت طويلا. بدأ العساكر بتحريك عصيهم في الهواء لتخويف المتظاهرين, لكن الناس بدأت تتدافع باتجاه الميدان الى ان فرقت العساكر و اخترقت حائطهم. دخل متظاهرون الميدان صامتين للحظات, ناظرين حولهم مستعجبين من قلة عددهم نسبة الى مساحة الميدان, لكن المنظمون لم يستعجلوا شعور الاحباط و انتتظروا المدد. دقائق قليلة مرت, و بدأ كل مدخل يؤدي للميدان ينبع بعدد ليس بقليل من المحتجين. شعر كل فرد بالقوة, و احس ان صوته قد على, و ان مظاهرات اليوم لن تكون للنسيان كالذي سبقتها, فالأعداد ليست كما كانت, الأصرار ليس كما عهده و الرغبة في التغيير ليست كما توقعها.
 
تجمع الآلاف بالميدان وسط شعور غريب يجمع بين الفرحة و القوة, و قوات الأمن أغلقت كل مداخل الميدان معتقدة ان من دخلوا كافين. استقر المتظاهرون, ثبتوا في اماكنهم, يهتفون رافضين دعوات التوجه لأى من المصالح او الأجهزة الحكومية, فالأمن يحوط بالمكان و ان سمح للبعض بالعبور فلن يسمح للباقين, فيتفرقوا و يخسروا سلاحهم الوحيد في مظاهراتهم السلمية...الأتحاد. لم يطول الصبر كثيرا, فحاول الأمن جس النبض و رؤية ما اذا كان سيسيتسلم هؤلاء سريعا ام سيطول نفسهم, تحركت احدى العربات المصفحة وسط الميدان مخترقة الجموع, ترش المياه بقوة لتفريق المتظاهرين, حتى صعد احد الشباب على ظهرها محاولا منع المياه من الوصول بغلق الهاوس, لكن رجل آخر تبعه عُرف فيما بعد انه تابع لقوات الشرطة, و حاول منعه, ظل يسحبه و يدفعه من اعلى المصفحة ليسقط كلاهما على أرض الميدان, في أولى مشاهد العنف لذلك اليوم. محاولة اخري من عساكر الأمن وسط التزام المتظاهرون اماكنهم و المساحات الصغيرة فيما بينهم رافضين اى ابتعاد خوفا من فقدان قوة الجماعة. أصوات فرقعات تأتي من الشوراع التى يغلقها الجنود, و السنة دخانية في الهواء تتبعها عبوات صغيرة, تسقط العبوات و تطلق غازا ابيض كثيف يحجب الرؤية, و من يستنشقه يصاب بالأختناق و الم في العين قد يضيع القدرة على الرؤية بوضوح لدقائق بسبب غرازة الدموع الي يسيلها, فتتفرق الناس ما ان ترى الدخان خوفا من الأختناق و الألم. قام الأمن بأكثر من محاولة بدث غير جادة على فترات متباعدة لتشتيت المتظاهرين وسط صمود و هتاف قوي منهم. ظل المتظاهرون يهتفون بقوة طيلة اليوم, مطالبين بالحرية و العدالة الاجتماعية, مع ان كان معظمهم من الطبقة المتوسطة, و مُنضم اليهم عدد من الشخصيات العامة من سياسيين و فنانين لم يتأثروا بشكل مباشر بالفساد, لكنهم رأوه بوضوح و ابوا ان يلتزموا السكوت عن الحق.
 
مع اقتراب الغروب بدأت تتغير نبرة الهتافات و المطالب من اجتماعية الى اجتماعية سياسية, فبعد ان كانت تطلب العدالة و الحرية, اصبحت تطلب اقصاء وزير الداخلية من الحكومة و محاكمته, و الغاء العمل بقانون الطوارئ الذي لم يعرف المدنين عنه شئ ولا عن نوع حالة الطوارئ التي عاشت فيها كافة انحاء البلد 30 عاما متواصلة, غير ان كل مواطن معرض لخطر القبض عليه في اي وقت دون اسباب لأن البلد في حالة طوارئ!. و هتف المحتجون ب(باطل باطل) اشارة الى مجلس الشعب, ثم ارتفع السقف وصولا بالمناداة بسقوط الرئيس,وسط خليط من المطالب و الهتافات, و مع دخول الليل هتفت الجموع بما وجدوه ابلغ و افصح, و نادوا جميعا بنداء ثورتهم المعتمد (الشعب يريد اسقاط النظام).
 
قرابة ال25 الفا يهتفون في صوت واحد بلغ حدود السماء, و يضربون ارجلهم بأرض اهتزت تحت الأقدام, ملوحين بأيديهم بقوة في الهواء, جادين في مطالبهم و لا ترتسم على وجوههم الا ملامح غاضبة تبث الرعب في قلب من يحاول الاستهانة بهم أو المساس بحرياتهم. لكن مع انتصاف الليل, كان لقوات الأمن رأي آخر, و كانت هي صاحبة الكلمة الأخيرة.

أحمد فرغلي 
27/3/2011

Popular posts from this blog

الدور العشرين

على الجانب الآخر