الحيوان

لم يكن كابتن سيد السبع، اقدم أعضاء السيرك، حاضرا في الإجتماع الطارىء الذي قام به المدير. ورغم أن الكابتن هو مدرب الأسد غضنفر الذي تسبب مرضه المفاجيء بأزمة حقيقية لكل العاملين بالسيرك، إلا إنه كان آخر العالمين بأمر المدير لحل الأزمة. مرض غضنفر المفاجىء حل عليه قبل يوم واحد من بدىء العرض الأهم للسيرك في آخر عدد من السنوات. فبعد أن فقد السيرك المتنقل رونقه وسمعته، سواء بسبب تكرار العروض القليلة أصلا، أو بسبب استمرار نقص العارضين على مر الأيام واعتذارهم لأي سبب كان، خاصة لكبر السن، أو بدون أسباب أصلا لمجرد أنه صار موضة اقترنت بزمن فات؛ جائت فرصة محاولة احيائه من جديد بعد أن استقبل المدير هاتفا يعلمه أن قناة تليفزيونية مغمورة تود أن تنتج فيلما وثائقيا عن السيرك وتاريخه الذي لم يعش منه إلا غضنفر وكابتن سيد. بالإضافة إلى عدد قليل من عارضي الأكروبات الصغيرين والمتناوبين بخبراتهم القليلة على السيرك وأهله. وكان مهم جدا أن تصور القناة أحد العروض لا سيما وأن غضنفر سيكون موجودا وهو الأسد الذي انتزع بزئيره ساعات من التصفيق أيام العز. لم يود المدير تأجيل التصوير ولا العرض، خشى ألا تأتي ال

على الجانب الآخر


انتهت المباراة، وانتهت معها الصرخات والصيحات. انطفأ نور الكافتيرا فور أن اطلق الحكم صافرة النهاية. وخرج الرقباء والمساعدون يصيحون في الجنود أن تخلد إلى نومها. ذهبت معهم غير مصدق، دون أن يكلم أحد الآخر تحركنا. لم يعرف أحد الآخر حتى يشاركه أي شيء، اللهم إلا بعض من التحليلات الكروية العشوائية قبل وأثناء المباراة. لكن قبل الانطلاق لم يربض أحد على فخذ أحد قائلا "ان شاء الله هنكسب". ووقت الهدف الأول لم يعانق أحد أحد، وحينما دخل هدف التعادل لم يواس أحد الآخر. ووقت الهدف الثاني لم يبك أحد من الفرحة ولم أمسك بكتفه آخر، ولم يخلع ثالثاً قميصه ليلوح به في الهواء . كل كان يشاهد المباراة الممنوحة لنا وحيدا رغم تعدد الجمع. خرجت بعد النهاية مبتسما، مترجلا وحدى، بجسدي وبرأسي وحدي، ومبتسما لأنني طوال 25 سنة وهي عمرى لا أعرف معني مشاركة المنتخب في الحدث الرياضي الأهم، لا أعرف إلا معنى الإحباطات المتكررة بعد وصول الآمال إلى ذرواتها، مبتسما ومتخيلا ذهاب صوتى المنتشي واختفاؤه وسط آلاف الحناجر، في مكان آخر غير المعسكر..

عدت إلى العنبر، خلد كل إلى مهجعه، وأنا أشعلت سيجارة وأنا أنظر من الشباك الضيق جدا الذي لا يطل إلا على سور المعسكر، مستمعا إلى الرقصات في الشارع القريب، الغناء وإنذارات السيارات المحتفلة، الألعاب النارية والأعلام المرفوعة. ورغم السور، رأيت اختناق الشوارع مستدعياً من رأسي صورة تخيلتها مماثلة لما كان في فبراير 2011.. لم أر، فقط تخيلت من حجم الصوت.
نفثت الدخان ومع كل زفرة كان لا يقوى البياض على عبور النافذة فكان يتكسر ويعود إلىً من جديد في الظلام، حيث انتهت ليلة محددة وراسمة لقصص عديدة لجيل بأكمله، والتي تخيلتها مرات وتمنيتها مرات، لكن لم تكن مخيلتي خلَاقة بما يكفى لترى أنني سأقضيها هنا في المعسكر الصامت حيث كتبت لها النهاية مبكراً جداً، في وقت كانت لتوها قد بدأت فيه، ولكن على الجانب الآخر من السور.

Popular posts from this blog

الدور العشرين

من الزهور للجذور 4: بميعاد مسبق